Home Misc النوروز والفطرة الانسانية

النوروز والفطرة الانسانية

بواسطة الهدی
1 views 4 minutes read
النوروز والفطرة الانسانية

النوروز مناسبة تراثية عريقة يُحتفی بها في أرجاء ايران المترامية وبيئتها الثقافية الممتدة في اعماق التاريخ الانساني لهذه المنطقة الاصيلة التي بالرغم من أن الجغرافية والسياسة قطْعت اوصالها من خلال الحدود المصطنعة التي اقيمت علی ارضها التي كانت تتسع يوما لمئات الملايين من الناس الذين كانت تجمعهم هذه المناسبة التراثية الاصيلة الّا ان سكان هذه البقعة الثقافية العريقة لازالوا يحتفلون بعيد النوروز بكل بهجة وروعة في دول مثل افغانستان و جمهورية آذربايجان و جورجيا و كردستان العراق وسورية و كازاخستان و قرغيزيا و روسيا و طاجيكستان و تركيا و تركمنستان واوزبكستان والبانيا وباكستان وبعض مسلمي الهند فضلا عن الملايين من سكان الصين واجزاء اخری في العالم من عشاق هذا التراث الانساني .

لقد انجزت الكثير من الابحاث حول تاريخ النوروز و اسباب بقائه حتى اليوم رغم العواصف و الكوارث، حيث تم الاهتمام اكثر في هذه الابحاث بالبعدين الجغرافي الطبيعي و الجغرافي الاقتصادي للبيئة الايرانية التراثية.

اجل ان الطقوس و المراسم التي تقام خلال النوروز كانت و لازالت تحت تأثير هذين العاملين الاساسيين و بقيت صامدة امام المتغيرات السياسية و الحملات الشديدة التي شنتها الاقوام المحاذية لهذه البيئة الحضارية العريقة و المجاورة لها، لان الكثير من هذه الطقوس و المراسم وليدة الجغرافية التي لعبت فيها العوامل الطبيعية و الاقليمية و المعيشية الدور الرئيس فيها و قد اضيفت اليها فيما بعد الصبغة الدينية.

اما فيما يخص الطبيعة الجغرافية لايران فيمكن القول ان التضاريس الطبيعية الصعبة لهذه الارض لعبت دوراً مؤثراً في بقاء هذه الطقوس و المراسم لتعثر وصول المهاجمين اليها، حيث شكلت هذه التضاريس و قسوة المناخ سداً منيعاً حال دون وصول القوات المهاجمة لسكان هذه الارض التي تمتد فيها الغابات و الجبال الشاهقة مما ساعد الحكومات المحلية التي كانت تدير هذه المناطق في مواصلة عملها و بالتالي صانت هذا التراث العريق.

من جانب آخر فان الايرانيين من خلال اعتمادهم على طبيعتهم السلوكية و الاخلاقية الرفيعة و المتوائمة مع الجميع استطاعوا بعد فترة زمنية وجيزة من الهيمنة الظاهرية لبعض تلك الاقوام ان يفرضوا تفوقهم الحضاري و التراثي عليهم و بالتالي اجتذابهم نحوهم بل و اصطباغهم بالصبغة الايرانية مما ساعد في ازدهار الحضارة الايرانية مجدداً على هذه الارض.

اما من ناحية الجغرافية الاقتصادية فلابد من الاشارة الی ان الهيكلية الادارية والنظام الحكومي الذي كان سائدا آنذاك في ايران عرف بتميزه عما كان سائدا في المجتمعات الانسانية الاخری ومنها الجيش الاسلامي الذي فتح ايران والذي شكل المسلمون العرب غالبيته حيث يشهد التاريخ ان الفاتحين استفادوا من النظام الضريبي و نظام الجباية علی الاراضي الذي كان قد وضعه انوشيروان الساساني الی جانب النظام المالي والضريبي المتكامل الذي كان مطبقا آنذاك كما انهم استخدموا كذلك التقسيم الزماني و مواعيده المثبتة في التقويم السنوي الذي كان مطبقا في ايران حيث كان التقويم الشمسي في معرفة شهور و فصول السنة هو المطبق هناك ومن خلاله يتم التعرف علی مواعيد جمع الخراج والاحتفاء بالمناسبات الدينية و الخاصة.. مع الاشارة الی ان النوروز لم يكن يطلق علی الايام التي تطلق الآن بل كان يطلق علی ايام معينة في السنة كما ان عادة تقديم الهدايا خلال النوروز تعتبر احد العوامل الاقتصادية المؤثرة في رسم الطبيعة الاجتماعية السائدة في ذلك العصر.

ولكن مع وجود مختلف الدلائل والعوامل المؤثرة في بقاء نوروز حتی وقتنا الحاضر فان حضور هذه المناسبة الحضارية التراثية العريقة اثبتت وجودها في قلوب الناس واذهانهم في البيئة الحضارية والثقافية الايرانية وتكامل ذلك مع ظهور الاسلام ووصول انواره واشعاعاته الی هذه الارض الطيبة مما جعل الايرانيين يُجتذبون بقلوبهم وارواحهم الرقيقة نحو التعاليم الاسلامية السمحاء حيث حل الاذان محل الكثير من الانغام والتراتيل التراثية التي كانت سائدة في المجتمع الايراني آنذاك فضلا عن استبدال الكثير من المناسبات والطقوس والاعياد التراثية بالاعياد والمناسبات الاسلامية الزاخرة بالجوانب المعنوية والروحية والانسانية الاصيلة و تكاملها معها.

ويمكننا الاشارة هنا الی احد مصاديق هذا التلاقي الحضاري المتمثل بتزامن ايام نوروز هذا العام مع ايام شهر رمضان المبارك حيث يحتفل الايرانيون بعيد النوروز التراثي مع صيامهم شهر رمضان المبارك وهم ينهون عاما و يدخلون عاما جديدا الی جانب تمسكهم بالتعاليم والفرائض الالهية والشريعة المحمدية الاصيلة ويزيلون عن ارواحهم وقلوبهم الأدران والشوائب في اجواء مفعمة بنسائم الربيع القرآني وهم بفضل روحهم الطيبة الناعمة والمسالمة وفطرتهم الانسانية السليمة يحتفلون بربيع القرآن الكريم طبقا للتقويم الاسلامي الذي يعتمد علی الشهور القمرية وربيع الطبيعة طبقا للتقويم الايراني التراثي الذي يعتمد علی الشهور الشمسية ولا يشعرون بأي تقابل او تناقض فيما بينها.

ولكنٌي اری ان السبب الرئيس الذي ادی الی بقاء النوروز وخلوده حتی عصرنا الحاضر ورسوخه في الاذهان والافكار الانسانية يعود الی الحكمة والتعقل الموجود في هذه الطقوس التراثية و تلاحمها مع فطرة الايرانيين السليمة وتكاملها مع التعاليم والطقوس الدينية الاصيلة مما ساعد النوروز في سبر اغوار التاريخ واجتياز مطبَاته وعقباته و معضلاته الشائكة ليبقی راسخا في الاذهان مدی الدهر.

واخيراً نقول… أيامكم نوروز ونوروزكم سعيد و مبارك.

و كل عام وأنتم بخير….

ان السبب الرئيس الذي ادی الی بقاء النوروز وخلوده حتی عصرنا الحاضر ورسوخه في الاذهان والافكار الانسانية يعود الی الحكمة والتعقل الموجود في هذه الطقوس التراثية و تلاحمها مع فطرة الايرانيين السليمة وتكاملها مع التعاليم والطقوس الدينية الاصيلة مما ساعد النوروز في سبر اغوار التاريخ واجتياز مطبَاته وعقباته و معضلاته الشائكة ليبقی راسخا في الاذهان مدی الدهر.

بقلم: محمد مهدي ايماني بور، رئيس منظمة الثقافة والعلاقات الاسلامية

You may also like

Leave a Comment

Alhoda

الهدی

تم التأسیس في العام ۱۹۸٤ کمؤسسة نشر دولیة بهدف توسیع التعاون الدولي بين الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة وباقي الدول في مجال الکتاب و النتاجات الثقافية الاخرى وبعدها وسعت نشاطها في مختلف انحاء العالم.

للاتصال بنا