“مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ رِجَالࣱ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيۡهِۖ فَمِنۡهُم مَّن قَضَىٰ نَحۡبَهُۥ وَمِنۡهُم مَّن يَنتَظِرُۖ وَمَا بَدَّلُواْ تَبۡدِيلࣰا” (الأحزاب:٢٣)
سلامٌ على من دعا لإمتشاق الحُسام من أجل السلام، سلامٌ على من حطَّم الأساطير العِظام، سلامٌ على من فضحَ مَكائِد اللئام من الأنام.
مَن قال أن قادة الجهاد يَخطِفهم النسيانُ من الأذهان؟ تُرى، فَهل بَقيت باقيةٌ لحفيد أبي سُفيان؟ فَتِّش عن الجبابرة الذين تبجحوا بالفَتكِ والعِصيان، فهل تَرى لهم غير اللعنةِ والخلد في النيران؟
أما أصحاب الصمود والجهاد، فذكرُهم يملأ الآفاق، وصورُهم ترتَسم في أذهان النبلاء،
سيدى أبا هادي، لقد هديت الأمة لطريقٍ أنرتَهُ بجهادِك وكلماتك، وحفرَتَ صوَر صمودِك في أذهان التاريخ بصدقِ وعدِك، ليبقى صمودُك يزينُ سُرادُق عرش التاريخ.
يا سيد المقاومة، رسمت درباً ترتعدُ من سماع اسمه فرائصُ المعتدين، وتشتبكُ أرجل المعتدين والمحتلين، عند الهروب لدى مشاهدة آثار سالكيه.
لقد أثبتَ للورى أنَّك التلميذ المُجِد والمُجتهد لمدرسة العشق الإلهي، التي أرسخها جدك الإمام الحسين في ملحمة كربلاء، فكلُ قطرة دم من دماء شهداء كربلاء الزاكية، ضَمِنَت تحطيمَ عروش الطغاة مهما طالت سنينُها، فتلاشت أمامَها صروحاً كان الظلمُ يعلوها والأموالُ تُصرفُ من أجل بقائها، لكنها هَوت أمام نقاء دماء الشهداء الزاكية، وأينعت منها الثمار التي فتحت مدارس للجهاد والنضال، ضد الظلم والعدوان والإحتلال.
يا سيد الأحرار وأنت حرٌّ في قرارك، لبَّت نداؤك كواكبُ وقفت على بابك تنتظر إشارة الإصبع الذي لا يرمز إلا إلى النصر المؤزَّر، لأنها سمَعت مقولتك التي أرعبت الطُغاة، وزعزعت عروش الظلمة، حين نطقت بأعلى صوتك ليسمعك الجبابرة وأذنابهم المتخاذلون، المتسارعون للتطبيع مع العدو، القاتل للأطفال، والمبيد للحرث والنسل، “لقد ولَّى زمنُ الهزائم، وجاء زمنُ الانتصارات”.
فمع انبلاج كل فجر، كان الفتية الذين اختارهم العزيز الجبار، ليكونوا أبابيل على الظلمة والكفار، يتوضأون ويغتسلون للشهادة، لترتعد فرائص العدو من حثیث أقدامهم التي تزعزع عروش الجبابرة والطغاة، وتدخلُ الخوف والهلع في قلوب المتخاذلين السُعاة، وتتهاوى أمامها مكائد الطغاة، سيما حين تحين ساعة الصفر، لينقضُّوا على الجُناةِ، حَملةَ رجُلٍ واحد.
ومن أجل ذلك نرى كلَ شبرٍ من أرض لبنان الحبيبة، بدءا من الضاحية والبقاع، بل كل الجنوب اليوم، يتوضأ بدمائهم مع إطلالة كل فجر، لأنهم آمنوا بربهم وسلَّموا امرهم له، فاختارهم الرحمان ليكونوا في قافلة الشهداء، ليُعبِّدوا الطريق بدمائهم لعشاق الشهادة، ویَتقدَّموا لتحريرِ العباد والبلاد، من براثن المتوحشين الأوغاد.
أيها السيد القائد لقد كنت تنتظر هذه اللحظات طويلاً، لتُعانق ولدك الشهيد، كما تسارعت قافلة الشهداء لإستقبالك، ولتحملك الملائكة على أجنحتها إلى جنان الخلد،… سيدي أيها الشهيد وأبا الشهيد، أنصارُك اليوم من “جبهة مقاومة الظلم والطغيان” المنتشرة في ربوع العالم، يعاهدوك بالبقاء على العهد الذي عاهدوك عليه، ويقفون إلى جانب الأجيال المقاوِمة التي أعددتها خلال ٣٠ عاماً من قيادتك الحكيمة، ولن يهادنوا ولن ينسوا، جميع من ضحُّوا بأنفسهم في مواجهة العدو المحتل والقاتل، المبيد للحرث والنسل.
سيدي إن خسرتك الإنسانية على الأرض، لكنك أصبحت نجماً ساطعاً تُنير درب المقاومين على مدى التاريخ، الذي خلَّد اسمك في مقدمة المنتصرين على هذا العدو المتوحش، الذي لن يفلت من المصير الذي كُتب عليه.
أيها الشهيد ويا أبا الشهيد بشراك اليوم لقد التزمت الأجيال التي درَّبتها على النهج الذي رسمته لها، فهي اليوم متكافتة ومتضامنة مع بعضها البعض، في مواجهة العدو ودكِّ مواقعه في كل أنحاء الأرض المحتلة، خاصة في حيفا وتل أبيب وما بعدهما كما وعدت. فوعدك هو الوعد الصادق، الذي شهد له العدو قبل غيره، وبدا يتفهَّم أن دماءك الزاكية، رسمت بداية نهايته، وأنها حقيقةً بداية “نصر الله”.
يا حبيب القلوب، ويا رمز المقاومة والمقاومين في العصر الحديث، هذه اجيال المقاومة تُعاهدُك على المضي في الدرب الذي رسمته لها، مستخدمة كل قواها للنهوض وإكمال مسيرة المقاومة والصمود، أمام غطرسة العدو المحتل، ولن تتراجع حتى ترتسم البسمة على شفاه أطفال الحجارة، ببركة صواريخها ومُسَيراتها، التي تزرع الموت والهلع في قلوب العدو.
يا راسما درب الشهادة بنقاء دمائك الزكية، صرخاتك ووعودك التي يصدقها العدو قبل غيره، باتت اليوم منهجا للصمود، وخارطة طريق للأجيال المقاوِمة من كل حدب وصوب، خاصة وأن استشهادك ضخ دماءً جديدةً في جسم الأمة، وحرَّك كل حرٍّ وأبيٍّ، ليترك القعود والسكوت على جرائم العدو، كما زاد من تلاحم القيادات السياسية والمرجعيات الروحية، والمؤسسات الأمنية التي توفر الأرضية لتوحيد صفوف الأمة، أمام عنجهيات العدو، ويشعر العالم بأنها الخطوة الأولى من الإستمرار بنهجك بعد استشهادك، نعم إنها بدايةُ “نصر الله” الذي وعد الله المقاومين به.
وآخر بشرى نزفها لك أيها القائد الشهيد، أنَّ المعادلة التي فرضتها على العدو الغاشم من قبل، باتت هي البوصلة الوحيدة للمقاومين المتصدين للعدو في كل الجبهات، كما باتت الشعوب العربية والإسلامية، وخاصة الشعبين اللبناني والفلسطيني، وكل أحرار العالم، باتوا الحاضنة الأكبر لقوات المقاومة الباسلة، ليُمَهِّدوا لرسم خارطة طريق، لبناء معادلات جديدة للقوى المؤثرة في المنطقة والعالم، وبالتالي ستكون هي العامل المُحفِّز لترسيخ القواعد الرئيسية لترتيب نظام ٍعالميٍّ جديد، يكون للمقاومة وأبطالها الدور المشهود في الدفاع عن الإنسان والإنسانية وحقوق كل المضطهدين على اختلاف ألوانهم والسنتهم.
وفي الختام نكرر عهدنا لك أيها الشهيد القائد، بالسير على نهجك الذي وصفتَ فيه الولي الفقيه سماحة الإمام الخامنئي بأنه عمود خيمته، لأنه هو النهج الذي أثبت للعدو وداعميه، أنَّ استشهاد “نصر الله” بات أخطر عليه من السيد حسن نصر الله، لأنه رسخ “بداية نصر الله” الموعود، فكلُنا نبقى على العهد في الوفاء لقائد المسيرة، حتى ننال إحدى الحسنيين، إما النصر الذي يُثلج قلوب الأصدقاء ويُرعب الأعداء، وإما الشهادة التي تمنحنا وساماً ما فوقه وسام، وليَشهد العالم إنِّ ما يمرُّ به النظام العنصري المحتل في هذه الأيام، هي بدايةُ تطبيق وعود الشهيد القائد السيد حسن “نصر الله”.
فسلامٌ عليك يا “علمَ المقاومةِ والصمود”، يوم وُلدت ويوم عَملتَ، ودرَّبت رجالا أشاوس على المقاومة، ويوم نِلت وسام الشهادة بفخرٍ واعتزاز، ويوم تُبعث حيَّاً من “مقعدِ صدقٍ عند مليكٍ مُقتدِرٍ”. وخیر مانختم به کلمتنا هذه جانباً من أقوال شعراء المقاومة في استشهاد قائدها:
يا آيةً في قلب كلِّ مُجاهدٍ
يا شُعلةً في دربِ كلِّ فدائي
سافرتَ من عصرِ النبيِّ لعصرنا
بمُهِمَّةٍ أتممتها بوفا ءِ
والآن عُدتَ إلى (الوصيِ).. و (أحمدٌ)
فتَحَ الكِساءَ وقال: عُد لكِسائي.
د. عباس خامه یار