بعد تردد كثير مسكت القلم لأكتب عن شخصية القائد العظـيـم الشهيد قاسم سليماني (رضوان الله عليه( ومن انا حتى اكتب عن شخص باع نفسه لله على طبق من الاخلاص حتى صار مصداقا لقوله تعالى: (ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة) ومن الواضح ان ما اكتبه عنه بقدري لا بقدره خصوصا وان مخالطتي معه كانت محدودة.
قبل ان ادخل في صميم البحث ينبغي ان نلتفت إلى ان القائد الشهيد سليماني من الرجال الافذاذ الذين خاضوا غمار حرب الدفاع عن الجمهورية الإسلامية في بداية تأسيسها التي شنها النظام الصدامي المقبور بتشجيع ودعم من الاستكبار العالمي الغربي والشرقي والتي كانت تستهدف القضاء عليها في وقت كان جيشها شبه المشلول وذلك بسبب ولاء قادته للنظام الشاهنشاهي وفرار الكثير منهم وخروج المستشارين الامريكيين.
وأما القوى الثورية كالحرس والبسيج فليست لديهم تجربة كافية ولا خبرة ولا سلاح ومع ذلك تصدى المؤمنون من ابناء الامام الخميني (قد) للدفاع عن الثورة فكانت ملحمة حسينية عظيمة تفانى فيها الشعب الايراني في الدفاع عن ثورته وحكومته الجديدة واظهر صبرا وصمودا وابداعاً لا مثيل له.
وكانت الحرب مدرسة عظيمة خَرّجت لنا الكثير من القادة الابطال الحسينيين الذين اصبح لهم الدور الكبير في الحفاظ على الثورة من الانزلاق في مهاوي الانحراف أمام ضغوطات الاستكبار وحربه الناعمة الواسعة، ومن هؤلاء الابطال الذين تخرجوا من مدرسة الجهاد القائد العظيم الشهيد سليماني (رضوان الله عليه).
خصوصيات الشهيد سليماني
١. الروح الثورية: فهو من جيل الشباب الذين كان لهم دور في احداث الثورة الإسلامية الذين تفاعلوا مع ثورة الامام الخميني (قد) وتأثروا بها خصوصا وانه من الطبقة المستضعفة في المجتمع وهي من أكثر الطبقات الاجتماعية تعاطفا مع الثورة ولذا عندما شنت الحرب الصدامية على الجمهورية الإسلامية كان من المبادرين للدفاع عنها.
٢ . حدة الذكاء: لم يكن القائد سليماني (رضوان الله عليه) ذا تعليم عال فهو رجل بسيط من عائلة كادحة كان يعمل كاسبا قبل الثورة ولكنه بالرغم من ذلك كان يتمتع بحدة ذكاء وهذا ما جعله يأخذ مواقع قيادية في الحرب حتى أصبح إسما معروفا وقائدا لفرقة ( ثأر الله) التي تضم متطوعي محافظة كرمان التي أبلت بلاءاً حسناً في معارك الدفاع المقدس.
٣. الشجاعة الفائقة: ويشهد على ذلك دوره في معارك الدفاع المقدس فقد كان قائدا عملياتيا مغوارا أصيب ثلاث مرات او اكثر في الجبهات وهو بحق بقية السيف حيث فقد الكثير من أصدقائه وزملائه بهم وضع صورهم امامه في مقر عمله فعندما تذهب شدة تعلقه شهداء ومن إلى مقره كأنما انت ذاهب لزيارة معرض للشهداء وكانت امنيته التي يرددها دائما ويطلب ممن يلتقيه ان يدعو له بها . الشهادة التي كرمه الله هي بها.
٤. الايمان العالي: كان رضوان الله عليه يتمتع بدرجة عاليـة مـن الايمان او ما يسمى (بالعرفان) ولا شك ان حضوره في جبهات الدفاع المقدس كان له تأثير كبير في ذلك فليلة واحدة يطويها البسيجي في الجبهات تحت أزيز المدافع والرصاص تعدل ما يحصل عليه العارف في عشرين سنة من المجاهدة كما يُنقل هذا المعنى عن الامام الخميني (قد). ومن مظاهر ايمانه العميق إهتمامه بالصلاة والعبادة والتهجد، واذكر دار حديث بيني وبينه وانجر إلى قصة الرؤية المعروفة التي رآها الامام الخميني (قد) والتي طلب من ولده الشهيد السيد مصطفى ان يذهب إلى السيد الكشميري (رحمه الله) ويسأله عن تعبيرها فقد ذكر لي القصة
بالتفصيل ومن خلال ذلك عرفت انه من اهل الذوق والعرفان
٥. الخبرة العسكرية: الممتازة التي حصل عليها من خلال تجربته الطويلة في معارك الدفاع المقدس والتي تحمّل فيها مسؤوليات قيادية مهمة وفي ظروف صعبة وقاسية والدورات القيادية التي دخلها بعد الحرب وحصل من خلالها على العلوم العسكرية المطلوبة.
٦. التواضع: وهذه سمة بارزة له فكان يتحرك ويتجول بشكل عادي في أوساط المقاتلين حتى تحسبه واحدا منهم بالرغم من كونه يحمل رتبة عسكرية عالية ويشهد بذلك كل من رآه وتعامل معه.
٧.الوعي والبصيرة : فكان يعرف ويدرك مخططات امريكا في المنطقة والعالم التي كانت تستهدف اقتلاع جذور الإسلام المحمدي الاصيل لبسط هيمنتها على المنطقة، ولذا ادرك ببصيرته ان الحرب على النظام السوري ليس الهدف منها تخليص الشعب السوري من ظلمه كما يزعمون وانما القضاء على حصن من حصون المقاومة وهكذا عندما جاءت داعش إلى العراق ادرك ان هدفها تدمير العراق بما يمثله من عمق استراتيجي في الصراع العربي الاسرائيلي فتحرك بجد لإفشال مشروع أمريكا وتمكن بهمته وبصيرته وتسديد الامام الخامنئي (دام ظله) أن يفشل هذا المشروع، فلا النظام السوري سقط ولا تمكنت داعش من الحفاظ على دولتها في العراق كل ذلك كان بجهود الحاج قاسم الحاج قاسم المخلصة.
٨.المبادرة: وهذه نقعلة مهمة ففي الوقت الذي أصيب الكثيرون بالصدمة ولم يكونوا يعرفون ماذا يفعلون وداعش تزحف باتجاه بغداد با در القائد الشهيد بنفسه للتصدي إلى داعش وتعبئة المقاومين وصدرت فتوی
المرجعية وتدفق مئات الآلاف من الشباب وتوجه القائد الشهيد سليماني بنفسه مع ما أمكن تهيئته من قوة إلى سامراء للمحافظة عليها ولإيقاف زحف داعش على بغداد وكاد أن يستشهد في الطريق فقد تعرضت القوة الصاعدة معه في اقواس بلد إلى هجوم قوي من قبل داعش، وكان لحضوره الشخصي في الميدان الاثر الكبير في رفع المعنويات ودفع القادة إلى التواجد مع المقاتلين فعندما يكون الحاج موجودا بنفسه فمن الطبيعي أن يحضر القادة الاخرون معه.
٩. نشر ثقافة المقاومة: من الانجازات المهمة للقائد سليماني نشر ثقافة المقاومة والجهاد في العالم الإسلامي خصوصا في فلسطين ولبنان والعراق والبحرين واليمن وهذا هو المعنى الذي كان يقصده الإمام الخميني (قد) من تصدير الثورة فتصدير الثورة هو تصدير ثقافتها وقيمها واخلاقها وفيلق القدس الذي عهدت مسؤوليته للحاج قاسم هو ذراع الثورة الإسلامية العالمي وهو القناة الرسمية للتواصل مع المقاومين والاحرار في العالم وتقديم ما يمكن مساعدة من ودعم لهم.
١٠. الاعتقاد التام بولاية الفقيه وقيادة الامام الخامنئي (دام ظله) والتقيد بتوجيهاته الربانية: فلم تزده امواج الفتن التي تعرضت لها الثورة الإسلامية الا اعتقادا وايمانا بهذا المبدأ وله احاديث مسجلة ومنشورة يتحدث فيها عن ذلك بشكل واضح. هذه أهم خصوصيات القائد الشهيد الحاج قاسم سليماني (رضوان الله عليه( على شكل نقاط.
ولا شك أن شخصا بهذه الخصوصيات يشكل خطرا استراتيجيا على المشروع الصهيوامريكي في المنطقة والعالم وكان من الطبيعي ان يكون مستهدفا منهم، فخير خلق الله دائما وعلى طول الخط مستهدفون من قبل شر خلق الله ترامب وامثاله من المتغطرسين والمتجبرين.
وهم يتصورون أن في القضاء على سليماني وامثاله من قادة الجهاد سيوقفون المد الثوري الزاحف نحو عروشهم ولكن هيهات لهم ذلك فسليماني اصبح مدرسة ومنهجا التف حوله المقاومون والاحرار في العالم وهم ماضون بجد لتحقيق الاهداف التي كان يسعى اليها.
الدور الفريد للقائد الشهيد سليماني
لا نغالي عندما نقول ان الشهيد القائد سليماني كان له دور رئيسي في تحقيق النصر على داعش في العراق فلولاه لما تحقق النصر ، وحتى نكون منصفين ان هناك عاملين اساسيين كان لهما اكبر الأثر في تحقيق النصر على داعش وهما:
فتوى المرجعية في الوجوب الكفائي التي اصدرها الامام السيستاني (دام ظله) والتي كانت الهاما ربانيا عبّاً الامة وطاقاتها لمواجهة داعش واعتبر قتالها جهادا مقدسا بفتوى دينية، ونُقل لي ولم اتأكد أن الشهيد سليماني كان له تأثير في اصدار فتوى المرجعية من خلال التقرير الذي قدمه للإمام السيستاني عن الاوضاع وخطورتها.
والثاني؛ قيادة الحاج قاسم سليماني الشجاعة والمحنكة التي تمكنت من ترجمة فتوى الجهاد واستيعاب جموع المتطوعين وتحويلها إلى واقع عملي وهو الحشد الشعبي فان الفتوى بمجردها لا يكون لها قيمة اذا لم تتوفر مؤسسة تستوعب المتطوعين وتوفر لهم السلاح وتقودهم في المعركة ولم يكن الجيش قادرا على القيام بهذه المهمة لأسباب يطول الكلام باستعراضها وربما نشير إلى بعضها والحاج قاسم هو الذي اشرف على قيام هذه المؤسسة ولم يكن احدا قادرا على القيام بها لما يتحلى به من خصوصيات اشرت لها في بداية المقال مع ملاحظة النقاط التالية:
١. مواجهة داعش تحتاج إلى قيادة قوية ومحنكة تعرف داعش واساليبها ولديها الشجاعة على مواجهتها وتمتلك القوة والامكانيات اللازمة لذلك وهذا لم يكن متوفرا في غير القائد الشهيد سليماني (رضوان الله عليه) فقواتنا العسكرية أصابها ما أصابها وفقدت زمام المبادرة كما ان داعش لا تواجه بقوة عسكرية بحته، داعش قوة عقائدية ولا يمكن ان تواجه الا بقوة عقائدية وهذه القوة غير موجودة فلابد من تشكيلها بسرعة وزجها في المعركة فجاءت فتوى المرجعية لتوفر الزخم الجماهيري الكبير لهذه القوة ولكن هذا الزخم الجماهيري لوحده لا يكفي لابد من تنظيمه وتجهيزه وتدريبه وتوفير قيادات عسكرية له.
٢. وجود مثل هذا التشكيل يحتاج إلى دعم من الحكومة والقوى السياسية وقد تمكن الحاج قاسم بما يمتلك من علاقات واسعة مع القيادات والقوى السياسية المختلفة فكان محل ثقتهم وبذلك كان التفاعل والدعم الواضح من قبل الدولة بكل مؤسساتها للحشد الشعبي وهذا لم يكن ليتحقق لولا وجود الحاج قاسم.
٣. زج الحاج قاسم بتشكيلات المقاومة وجمهورها في داخل الحشد واستفاد من خبرتهم في قتال داعش في سوريا وكذلك بقوات بدر وجمهورها و تحمل كوادر بدر والمقاومة بناء التشكيلات القتالية والاسنادية بسرعة فائقة فكانت عملية بناء قوات الحشد تسير بشكل متواز مع القتال وبعد فترة وجيزة اصبح الحشد مؤسسة عسكرية ممتازة تمتلك خبرات وامكانات عسكرية في بعض الاحيان تفوق حتى امكانات الجيش ولم يكن احد يتمكن من القيام بهذا الدور غير الحاج
قاسم وصنوه الحاج ابو مهدي المهندس (رضوان الله عليهما).
٤. كل ذلك لا يكفي اذا لم يكن هناك سلاح تقاتل بـه القـوات وهنا كان دور الحاج قاسم وبحكم موقعه في قوات الحرس ليوصل السلاح بشكل سريع إلى قوات الحشد الشعبي ومعه خبرات الحرس ومستشاريه. . تواصل الشهيد سليماني مع القيادة العليا في الجمهورية الإسلامية المتمثلة بالإمام الخامنئي (دام ظله) وكذلك مع المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف المتمثلة بالإمام آية الله العظمى السيد علي السيستاني (دام ظله) وثقتهما به.
هذه النقاط وغيرها الكثير لا يمكن ان يقوم بها احد بحسب الظاهر غير القائد الشهيد قاسم سليماني وهو ما عبر عنه الامام السيستاني دام ظله في رسالته للأمام الخامنئي بقوله: (ان الدور الفريد للفقيد خلال سنوات القتال مع عناصر داعش في العراق والاتعاب الكثيرة التي تحملها في هذا المجال لا يمكن أن تنسى…).
وأختم حديثي في هذه المقالة القصيرة بالإشارة إلى بعض النقاط:
الأولى: ان الحاج قاسم كان يقود المعركة ضد أمريكا وادواتها في المنطقة في كل جبهاتها واليه يعود الفضل في صمود غزة وايصال السلاح المتطور لها وعدم سقوط سوريا بيد داعش وحزب الله في لبنان وغير ذلك.
الثانية: أن الشهيد الحاج ابو مهدي المهندس كان يد الحاج قاسم في العراق فهو صنوه وقرينه وشريكه في كل الانجازات التي حققها الحشد الشعبي وكان رحمه الله مندكا في قيادة الحاج قاسم وجنديا من جنوده المخلصين.
الثالثة: كان للحاج قاسم دور كبير على المستوى السياسي في العراق بعد السقوط وله الفضل الكبير في توحيد القوى الشيعية وعبور بعض المنعطفات والتحديات الكبيرة التي تعرضت لها العملية السياسية. فسلام عليه على جهاده و استقامته وتضحياته وجسده المتناثر بصواريخ الحقد الامريكي.
(وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهُ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالهُمْ).
سماحة السيد کاظم الجابري مدير المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية في العراق