لأكثر من قرن يعاني العالم وخاصة شعوب المنطقة من المخططات الغربية/الأميركية. يرسمون خطوطا وحدودا لدول قديمة ويستحدثون كيانات ويقسمون العالم حسبما ترتضي أنفسهم ومصالحهم. ينصبون حكاما ويخلعون آخرين. من يمانع أو يعارض يعاقب ويوضع على لوائح الإرهاب والعقوبات والحصار.لا مكان للشراكة أو للحرية السياسة/الديموقراطية لدول (العالم الثالث)، وحتى لبعض الدول المنضوية في نفس الثقافة. يتدخلون في أدق التفاصيل ويعملون على توليد مجتمعات جديدة عجيبة مستلة من نفس المجتمعات، يسمونها مرة (مجتمعات مدنية)ومرة (حقوق الأقليات)…وهكذا، المهم هو أن لا تستقر المجتمعات ولا شعوبها ولا دولها بما ترتضيه لنفسها. يزرعون الفتن ويقيمون نفسيات الحروب والدم، ويؤلبون كل فئة على الفئات األخرى.
وعندما قامت الثورة الإسلامية هالهم هذا العناق الشعبي للثورة وقائدها وتعاليمها وثقافتها المترسخة أصلا في وجدان الشعب الإيراني وفي الشعوب الإسلامية والحرة في العالم. لهذا فإن الغرب يعتقد أن هذه الثورة والدولة إذا أصبحت قادرة مقتدرة تمتلك حرية الحركة الفكرية والسياسية والعسكرية فستشكل نموذجا عالميا يطيح بكل مخططاتهم تجاه المنطقة والعالم.
سليماني قطب الرحى للمقاومة والثورة في المنطقة
كشف رئيس المكتب السياسي للحرس الثوري، يد الله جواني سبب اغتيال قائد (فيلق القدس)الجنرال قاسم سليماني من قبل الأمیرکیین مؤكدا أنه كان هدفا استراتيجيا سعوا من خلاله لوقف المقاومة في المنطقة وتغيير مسار التطورات التي كانت تسير لصالح المقاومة. وقال العميد جواني في حوار مع وكالة فارس الإيرانية: (عندما تصبح المقاومة في المنطقة قوية فهذا يعني إضعاف التيار المناهض لها في المنطقة والمتمثل بالكيان الصهيوني والأنظمة الرجعية المرتبطة بالقوى الأجنبیة ، وكذلك القوى الأجنبیة نظير الولايات المتحدة في المنطقة. وأضاف المسؤول العسكري الإيراني أنه (كان لديهم تقدير أن السبب الرئيسي لهزائمهم على مدى العقدين الماضيين في المنطقة هو إيران، لاسيما الحرس الثوري وبالذات (فيلق القدس)الذي يدور نشاطه حول محور (الجنرال قاسم سليماني.( من هنا كانوا يتصورون أن ضرب (إغتیال) سليماني يمكنهم من وقف مسار التطورات وتغييرها لصالحهم.
وهذا ما أشار إليه سماحة الأمين العالم لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله (حفظه الله) في كلمته التأبينية للشهيدين الكبيرین: سيد شهداء محور المقاومة(الحاج قاسم سليماني) والقائد الكبير، نائب قائد (قوات الحشد الشعبي العراقي)الحاج أبو مهدي المهندس. على مستوى المنطقة كان الحاج قاسم (الشخصية المتكررة)التي لم تترك للقوات الأميركية قدرة على تحقيق إنجاز تفتخر به، حيثما وجد سليماني، بل جعل احتالالتها وأدواتها فرصة وهدفا لابادة وتآكل قوتها العاتية التي تفتخر بها. وتکمن أهمية الفريق سليماني في أنه أبرز إلى الوجود وعلى الملأ حاجة كل عربي ومسلم وحر في هذا العالم إلى ما وفق للقيام به من أنه يمكن هزيمة هذه القوة العالمية الأولى وأن لديها نقاط ضعف يمكن استثمارها من أجل إخراجها من المنطقة. والحقيقة الميدانية تتحدث عن نفسها. إدارتا باراك أوباما وحتى دونالد ترامب اتخذتا قرارا بالانسحاب من المنطقة نتيجة لأعداد القتلى من الجنود الأمیرکیین. هذه الإستراتیجیة الجديدة في أنه (على حلفاء أميركا الإعتماد على أنفسهم) ما كانت لتتخذ لولا الخسائر التي تكبدتها أميركا جراء العمليات المرکزة التي قادها العقل الإستراتيجي للقائد الشهيد سليماني وأخوانه. وقامت لوبيات الضغط-من الصهاينة وعرب أميركا-على ترامب من أجل عدم الإنسحاب الكلي. لأنهم شعروا أن انسحاب القوات الأميركية من العراق وسوريا سيضعفهم، وربما يؤدي إلى زوالهم بأسرع مما يتصورون. وهذه مسألة استراتيجية لا تزال قيد النقاش والصراع، وإن كان القرار الجدي جدا والأستراتيجي لدى قوى محور المقاومة بإخراج هذه القوات من منطقة غرب آسيا، كما أمر قائد الأمة الإسلامية إلأمام الخامنئي وقائد قوى المقاومة في المنطقة سماحة السيد حسن نصرالله (حفظهما الله(.
ان خروج القوات الأميركية من المنطقة يعني استراتيجيا وفكريا قيام نظام عالمي جديد يمهد لأسترجاع الحقوق السليبة من المحتلين والغاصبين للسلطة والأوطان ويقيم العدالة في العلاقات البينية والدولية على قواعد احترام الثقافات والحضارات والوجود الكريم لشعوب المنطقة والعالم. وهذا سيزيح الكابوس الصهيو-أميريكي عن كاهل الشعوب التي لا تريد التطبيع القسري، أو الطوعي للحكام الأدوات.
منع قوى المقاومة من الحصول على صواريخ دقيقة. (هنا أيضا فشلت قوى العدوان فشلا ذريعا حيث أصبحت قوى المقاومة مجهزة بهذه الصواريخ من اليمن إلى فلسطين وطبعا في لبنان، ولم تستطيع الواليات المتحدة ولا الكيان الغاصب منع وصول هذه الصواريخ على الرغم من الغارات العدوانية التي تقوم بها قوات الطرفين-الصهيو أميركي).
تقوم الإستراتیجیة العدوانية الأميركية في استهدافها لمحور المقاومة-منذ بدايات القرن الحالي- على الأمور والتدابير التالية:
أولا: وقف التأييد العقائدي/الأيديولوجي عن قوى المقاومة. (صحيح! في هذا السياق أين موقف الأزهر وخطيب المسجد الحرام وعلماء الدين في العالم العربي فيما يخص القدس والمسجد األقصى وفصائل المقاومة في فلسطين تحديدا ولبنان والعراق واليمن).
ثانيا: استهداف القيادات المقاومة (كما يحصل من استهداف إجرامي لقيادات محور المقاومة في فلسطين ولبنان وإيران والعراق وسوريا (وصولا إلى تهديد ترامب بقتل الرئيس المنتخب شعبيا في سوريا ودولة ممثلة في الأمم المتحدة). والعدوان الغادر، جريمة العصر، التي ارتكبتها القوات الأميركية بأمر من ترامب نفسه، باغتيال الشهيدين العظيمين: سيد شهداء محور المقاومة الفريق قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي في العراق، ألحاج أبو مهدي المهندس (رضوان الله تعالى عليهما وعلى الشهداء الذين ارتفعوا معهما).
ثالثا: منع مجاهدي قوى المقاومة من التواجد العسكري في الأماكن التي تعتبرها أميركا أو أدواتها في المنطقة حساسة أو استراتيجية تؤثر على وجود هؤلاء جميعا. (لم تنجح، لا بل فشلت، الولايات المتحدة والكيان الصهيوني الغاصب من منع قوى المقاومة من التواجد في الأماكن المناسبة في لبنان والعراق واليمن وفلسطين، وهي تحاول منع التواجد في الحدود الجنوبية لسوريا).
رابعا: منع وجود ملاذ آمن لقوى المقاومة. (وهذا ما أخفقت الولايات المتحدة في تحقيقه، حيث تنتشر قوى المقاومة وتحضر قدراتها التخطيطية والتدريبية والتسليحية والعملياتية والقدرة على الحركة بما يتيح لها التهديد المباشر، وتوازن الردع، كما يحصل في لبنان والعراق وسوريا واليمن وفلسطين. وهذا ما سعى إليه الحاج قاسم وقد تحقق بنسبة عالية.) خامسا: منع قوى المقاومة من الحصول على صواريخ دقيقة. (هنا أيضا فشلت قوى العدوان فشلا ذريعا حيث أصبحت قوى المقاومة مجهزة بهذه الصواريخ من اليمن إلى فلسطين وطبعا في لبنان، ولم تستطيع الواليات المتحدة ولا الكيان الغاصب منع وصول هذه الصواريخ على الرغم من الغارات العدوانية التي تقوم بها قوات الطرفين-الصهيو أميركي).
سادسا :منع التمويل عن حركات المقاومة. (هذا الإجراء غير الإنساني فشل بنسبة عالية خاصة في لبنان والعراق، وإن كانت قوى المقاومة في فلسطين واليمن قد تأثرت بحدود معينة نتيجة للموقع الجيو-سياسي. ولكن هذه قضية نسبية وباستطاعة مجتمع البيئات الحاضنة لقوى المقاومة أن تصبر وأن تتحمل وتعتمد على الذات. في الأساس، كان هناك دائما محاولات تجويع للشعوب الثائرة، فكيف إذا كانت قوى المقاومة شارفت على طرد كل أشكال الهيمنة والإحتلال من المنطقة؟ لذا فإن المعركة ستشتد على المستويات كافة. والصبر من شيمة الشعوب المكافحة والمجاهدة في سبيل حريتها واستقلالها. »إن مع الصبر نصرا)
سابعا: منع قوى المقاومة من التواصل والحركة والحصول على المعلومات والأستخبار والإمرة والقيادة…(لا حاجة للقول أن قوى العدوان الصهيو-أميريكي لم تستطع أن تكون فاعلا في هذا الموضوع. على العكس من ذلك استطاعت قوى المقاومة-بغالبيتها-أن تصنع وتبدع في هذه المجالات ما أبعد القدرات القوية لدى قوى العدوان من التشويش أو منع التواصل والحصول على المعلومات. لا بل إن قوى المقاومة اخترقت استخبارات العدو الصهيو-أميريكي في كثير من المحطات. مثال، إفشال مخطط ٥ أيار في لبنان عام ٢٠٠٧ ،وعملية الجهاد الإسلامي النوعية في اختراق الشاباك الصهيوني … أما الإمرة والقيادة فهذا ما يؤرق العدو أن قيادات المقاومة هي على اتصال مباشر مع الكوادر والمجموعات والعناصرفي جميع المواقع.
ثامنا وأخيرا، منع قوى المقاومة من الوصول إلى أهداف داخل أميركا وفي الخارج. (لطالما كانت قوى المقاومة قادرة على تحديد الزمان المكان للعمليات التي يمكن أن تقوم بها أو لمصلحة تقدرها في الإحجام عنها).
في الخلاصة، استطاعت قوى محور المقاومة أن تشكل رافعة نفسية وجهادية عسكرية وسياسية لشعوب المنطقة. القائد سليماني والقائد نصرالله استطاعا أن يصنعا تاريخا مشرفا لهذه الأمة ليتطور ويصبح نظاما إقليميا وحتى عالميا. معركة التحرر هذه والتي أصبح فيها المعتدى عليه المستضعف رقما عالميا قويا، دليل على وجود ثقافة وقيادة تستطيع إيقاف الهيمنة والاستكبار من الإستمرار. الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشریف) أضاء الشعلة واستلمها قائد عظيم آخر يتحلى بمميزات وصفات الخميني العظيم. خمينيون، رساليون مثل الشهيد سليماني والقائد نصرالله يراكمون الإنتصارات الوجودية والإلهية. الجمهورية الإسلامية قائدة حضارة عميقة في التاريخ بلغت كمالها باعتناق وإيمان بالإسلام المحمدي الأصيل. عجين الحضارة الإسلامية الحديثة بدأ يخمر في أنفس تتوق للخروج من ظلم استدام واستبداد حرام.
علي حسین کاتب و محلل سیاسي من ایران