Home ContentResistance في رثاء السيد: من يرثي بلادًا؟

في رثاء السيد: من يرثي بلادًا؟

بواسطة الهدی
2 minutes read
في رثاء السيد: من يرثي بلادًا؟

تقول الحكاية: أنّه كان لهذا العالم أب، ينصر المستضعفين ويأخذ بيد المساكين، يقيم العدل في عالمٍ نسيَ الناس فيه معنى العدل، يمارس الإنسانية على وسعها بكلّ معانيها، يسمّي الأشياء باسمها الحقيقيّ ويرفض الكليشيهات والفانتازيا التي يسقط بها الناس، يدعو الحقّ حقًّا، والظّلم ظلمًا. ولا يضعُ بريقًا على الأشياء لتبدو أقلّ وجعًا، أو أقلّ صدقًا. وسقط هذا العالم في يُتمه فجأة، وفجأة صار هذا العالم بلا أب.

في كلّ مكانٍ نزف دمه وفي كلّ زاوية في العواصم العربية رأيناه، ماثلًا أمامنا يدلنا نحو الأمل المرّ بعده.. من قال أنّ الحزن مرادفٌ للهزيمة يا سيّد الناس؟ هذا الحزن ميراثنا بعدك، وقليلٌ من الناس يستحقون أن نحزن عليهم أبد الدهر، أن يبقى جرحنا عليهم مفتوحًا للهواء يلفحه، حتى يقيح الجرح ويقيح ويربى الحقد ويستمرّ، فلا ننسى ولا تُنسينا الأيام.
قل لنا يا سيدي: كيف نرثيك؟ وكيف تتسع الأبجدية لحزنٍ لم تعرّفه العقول بعد، ومثلما قال مريد البرغوثي في رثاء ناجي العلي:


يمضي إلى موته صامتًا عارفًا
وقفنا على قبره مائلينَ
وفي قبرهِ كان ناجي العلي واقفًا.


وأنتَ الغائب اليوم. الواقف اليوم، ونحن الحاضرين، المائلين على كتفك، ننتظر أن تعود لنقول: كان كابوسًا ثقيلًا، واستيقظنا منه.

_”اقتلونا تحت كلّ حجرٍ ومدر، وفي كلّ جبهة، وعلى باب كلّ حسينية ومسجد، نحن شيعة عليّ بن أبي طالب لن نتخلى عن فلسطين”. هل فهم الناس الحقيقة الّتي عُمّدت بالدم بعد هذا الرحيل؟ حملت هذا الموت على الأكتاف عقوداً من الزمن، وكما يولد من صدق الكرام موتهم، وُلد هذا الموت في أنبل المعارك وأكثرها صدقًا.
وعلى جسدك المسجي في البياض الأبديّ لم نجد إلا لغةً واحدة، نحفظها ونعرفها ونحبها، “لن نسمح أن يُهدر الكرامة أحد”.

وعقود يا سيدي
وقفتَ في وجه الغول عقودًا
وسنينًا يا سيدي، حاربت بلّاعة الحضارة سنينًا
سلّموا وقالوا لكَ سلّم.. تسلم!


لأنّ المعنى لم يدركهم بعد
كانوا جُهالًا ـــ ولم يزلوا ـــ
ولم يعرفوا معنى أن يموت الإنسان.. لتخضرّ سنبلة

ولم يعرفوا كيف يعود ليحيا الإنسان.. في كلّ سنبلة
ورفضتَهم يا سيدي
ورفضتَ مجالس الأمراء والسلاطين

وقاومتهم يا سيّدي..
ووقفنا في وجه الوحش نصدّه ويصدّنا

نقتله ويقتلنا
نهجّره ويهجّرنا

يخافنا ولا نخافه!
يهابنا ولا نهابه!
ويحسب لوجودك الشمسيّ ألفَ حسابْ.

وفي حضرة هذا الموت الثقيل، تنسلّ إلى خلاياك فلسطين


لتعلن أنّ هذا الجسد كان فلسطينيًا أكثر من فلسطين، وكان عاشقًا، وكان فدائيًا، وكان عارفًا وواثقًا ومنتصرًا وحيًّا، وسوف يبقى إلى أبد الآبدين.
وهكذا تهاجر إلى ساحات القدس، وهكذا نعود بكَ إلى ساحات القدس، نُعليك فينا، نُعليك فوق الكفّ وفوق البواريد ونمشي معك وفيك إلى تحرير الأرض والإنسان من وحوش البشرية، فتكون أول العائدين إلى القدس، وأول الفاتحين، وأول المصلّين.

وهناك تُعيد القدس ترتيبك، ترتب عظامك وجلدك وشعرك المبيضّ، فتصلّي في الناس إمامًا بوجهٍ بشوشٍ نعرفه، ونتمتمُ نحن لأولادنا خلفك: كان أنبل الناس، كان أطهر الناس، وكان أصدقهم.

لن نعزّي فيك أحدًا، سنذهب إلى لبنان ونعزّيه، سنذهب إلى القدس ونعزّيها، إلى اليمن إلى العراق إلى الشرق العربيّ اليتيم بعدك..
ومن يُتمنا هذا سيخرج حقدٌ ممتدّ، ومحرقة ستُعيد ترتيب وجه العالم.

بقلم: إيمان البطاط-فلسطین

مجلة الوحدة العدد 388
شاهد هذا المقال في الوحدة 388

You may also like

Leave a Comment

Alhoda

الهدی

تم التأسیس في العام ۱۹۸٤ کمؤسسة نشر دولیة بهدف توسیع التعاون الدولي بين الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة وباقي الدول في مجال الکتاب و النتاجات الثقافية الاخرى وبعدها وسعت نشاطها في مختلف انحاء العالم.

للاتصال بنا