صباح القدس و صباح نصرالله ، و ما أشرقت شمسها الا لعينيه والله ،،، و قد رأينا في وجههِ وجوه الأنبياء و الأئمة و وجه الله، و قد ملأ الدنيا نوراً يمنح الكلمات روحاً ، كلمة تضحك و كلمة تبكي و كلمة تداوي جروحا،
ان تبسم ضحكت قلوبنا و ان غضب فاضت الشرايين قروحا ، و ان لوّح بالسبابة وقفنا و نحن جالسين ، و اما ان بكى على الحسين او اليمن او فلسطين او العراق : قلنا الى الحرب هلموا دقت ساعة الفراق ، و كلما ساورنا الشك _ جئناهُ يقطعهُ بسكين اليقين ،
معه اكتشفنا من يصالحنا مع الدين، و قد أعاد للنص اشعاع النور،
وحده اشعل الحرب لأجل فلسطين ، بعدما نام العرب قروناً ودهور ، رّد الاعتبار للحرب و رّد الاعتبار للعرب ، و اعاد وهج القدس ، و حولها من مأتم الى عرس
، بصدقهِ اقفل باب الفتن ، و على يديهِ صار لنا وطن ، حُبهُ أسقط الحدود بين الطوائف و المذاهب ، و معه تحولت الأمة من ملعب الى لاعب، و صارت بلادنا رقماً صعباً على جدول أعمال الكبار، بعدما كانت صفقة في حقيبة سمسار ، او ورقة على طاولة قمار،
جنبنا التعب و تحمل وحده المتاعب ، و واجه وحده الأخطار والمصاعب ،
سخر مما اغوى سواه ، من مال و جاه ، و لقب السيد عنده كان اعلى المناصب ، ان تخيلنا الاخلاق في رجل ما كان سواه ، و من يجسد الفروسية عداه ، او من يحول العلم الى طبق يومي للفقراء لولاه ، و قد فك لهم كل تشفير السياسة ، بعدما طهرها من كل صنوف النجاسة ، و صالحها مع الأخلاق ، و علمنا كيف نكتشف الصدق من النفاق ،
أعطانا وصفة النصر في الحروب ، و كيف تصنع التاريخ الشعوب، و كيف تصير الأرض رمزا للكرامة ، و تصير الشهادة ترجمة للشهامة ، و كيف يكون الزهد بالأشياء ، طريقاً الى السماء ،
منه وحده كنا نخجل مع انفسنا ان اخطأنا او تخلفنا ، و قد صنع لنا تعويذة تفك سحر تخلفنا ،
و اكتشفنا انه ضميرنا الصاحي ، يُعاتبنا في الأمسيات و الاضاحي ، اليه في سرنا نؤوب ، نطلب الغفران على الذنوب ، و ان آتينا موقفاً او فعلاً مُشرفاً ، نثق انه يرانا و نتخيل الابتسامة و كفهِ فوق الكتف ، فنشعر كأطفال و نعترف ، ان رضاه ارفع وسام،
أليس هذا هو معنى الإمام ، و اليوم يُغادرنا و قد اتم علينا الدروس ، يتركنا شامخين نرفع بجهاده الرؤوس ، لنكتشف مع ثقل الغياب ، كيف يجري الدمع بلا حساب ، و نتعلم معادلة جديدة ، كيف ان زوال الشعور بالاطمئنان يرافق الشعور بالمسؤولية
ما عاد يكفي ان نقول فيه قصيدة ، فالرحيل دعوة لنزول الميدان و ادراك سلمّ الأولوية ، يقول : لقد اتممت لكم دروسي و يمنحنا بشهادته شهادة التخرج ، و يقول للمتفرجين : انتهى وقت التفرج ،
أتعرفون معنى أن الشعور باليتم هو شعور ببلوغ سن الرجولة، قالها لنا مضمخا بدم البطولة ، في الستين قد تكون في عمر الطفولة ، و في العشرين قد تعيش العمر بعرضه و طوله ، هذا معنى ان تفقد اليوم اباً و لا تملك وقتاً للوداع ، لأنه بالرحيل ألقى على كتفيك حملا ثقيلا ، بعدما علمك تحمل الأوجاع ، و فهم الأوضاع، فبارك له بالشهادة الرحيلا.
د. ناصر قندیل-لبنان