بالتدقيق العميق في الحضارة الإسلامية الحديثة التي بدأت بمبعث الرسول صلى الله عليه وآله و سلم وهجرته إلى المدينة المنورة، والتي أكد على إحيائها سماحة الولي الفقيه آية الله العظمى الإمام الخامنئي، تتضح ضرورة توجيه أنظارنا إلى دور الدول المؤثرة في تشكيل واستمرار هذه الحضارة، مثل إيران وسوريا.
ان العلاقات التاريخية بين إيران وسوريا، وإن كانت قد نشأت قبل الإسلام، الا انها بلغت ذروتها مع ظهور الإسلام، واستمر هذا الصعود بعد الثورة الإسلامية ليتحول إلى علاقات استراتيجية في جميع المجالات الثقافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية، وظلت هذه العلاقات نموذجاً فريداً في ظل تقلبات الأحداث العالمية والإقليمية، ومن المؤكد أن تغيير النظام السياسي في سورية لن يؤثر سلباً على عمق هذه العلاقات، وذلك لأن إرادة الشعبين المتحضرين مصممة على استمرار هذا المسار البنّاء.
والجدیر بالذکر ان العلاقات السورية الإيرانية قد اتخذت منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام١٩٧٩ بعدها الاستراتيجي من خلال تلاقي إرادتي البلدين وحرصهما على تعزيز التعاون في جميع المجالات ورفض الإملاءات الخارجية والتدخلات الأجنبية وتطابق الرؤى والتشاور المستمر لإيجاد الحلول لقضايا المنطقة والتأكيد على الحقوق العربية الثابتة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية واستعادة سورية للجولان المحتل. والحقیقة ان من بين القواسم المشتركة التي أدت إلى توافق الرأي بين الشعبين في العقود الأخيرة، هي قضية فلسطين وضرورة مكافحة ومواجهة الکیان الصهيوني والصهيونية العالمية من جهة، ومكافحة الاستكبار العالمي بزعامة أمريكا من جهة أخرى، وهذا يولد الأمل في أن الجيل الشاب والنخب السورية، على الرغم من تغيير النظام السياسي في سوريا، سيقتدون بابطالهم الوطنیین الذين استشهدوا في سبيل ازالة الاستعمار والاستبداد، وسيعملون جاهدين بمساعدة إخوانهم في جبهة المقاومة، وخاصة إخوانهم الإيرانيين، لمنع احتلال أراضيهم من قبل الأجانب و صیانة استقلال بلدهم وتعزیز سيادتهم الوطنية.
وفي هذا العدد من مجلة الوحدة ،الی جانب الإشارة الی التعاون السوري الإيراني الشامل في مختلف المجالات خلال العقود الماضیة ومنها المجال السیاسي والثقافي والمجالات العدیدة الاخری مثل حماية البيئة والإعلام والطاقة الكهربائية والتجارة والاستثمار والمجالات المصرفية والجمركية والتخطيط والصناعة والنفط والغاز الطبيعي والكهرباء والنقل بكل أنواعه والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والصحة والتقنیة والتربية والتعليم العالي والزراعة والسياحة والشؤون الاجتماعية والتدريب الفني والمهني والإسكان والتعمير والري والرياضة والشباب.سعينا من خلال مجموعة من المقالات التي كتبت من قبل النخب والباحثين السوريين و الایرانیین حول العلاقات الاستراتيجية بين إيران وسوريا، الى تسليط الضوء على جزء من عمق التأثير المتبادل بين البلدين، وذلك بهدف اتخاذ خطوات أكثر فاعلية من السابق لاستمرار هذه العلاقة الحضارية في الوقت الراهن والمستقبل ایضاً.
الدكتور صادق رمضاني گل افزاني رییس التحریر و أستاذ التاريخ بجامعة دمشق